حياة الإنسان بلا أسرة ، أشبه بمن هو تائه في صحراء لا حدود لها . والأسرة ليست بعدد أفرادها – وإن كانوا عزوة – بل بقلوبهم المتصافية ، وسلوكياتهم المتسامحة ، وعزيمتهم التي تدفعهم لتبادل المحبة والاحترام . هذه الأبجديات هي التي تصنع السعادة بين أفرادها ، وهي التي تمنحهم الأمان والطمأنينة .
البعض لا يفهمون ما تعنيه الأسرة . يدخلون بيوتهم ولا يتحدثون مع أخوتهم ، يصدون عن مقابلتهم ، يتعاملون معهم كأعداء ، لا يقدرون آباؤهم أو أمهاتهم ، ولا يضعون لهم أي اعتبار .
القصص متباينة في مجتمعنا ، فما بين أخوين توجها للمحكمة سعياً لنيل شرف حق استضافة أمهما ، إلى قصص لنزاعات طويلة ومريرة ومؤلمة ، لأشقاء اختلفوا على إرث ، ودخلوا لأجل المال والجاه ، في عداوات وقضايا ومحاكم ، مع بقية أفراد أسرتهم حتى امتدت للأبناء وربما الأحفاد .
قصص أخرى قد تكون تافهة لا معنى لها ، بدأت بخلافات بسيطة ، تُركت دون حل ، فكبرت وكابر أطرافها حتى تراكمت تداعياتها ، فانقطع حبل الود ، وزادت مسافة الاختلاف ، وذهب كل إلى حال سبيله ، إلى أن انهارت الأسرة بكاملها . مثلها مثل من أصيب ضرسه بالتسوس ، فتركه حتى تآكلت لثته وتساقطت بقية أضراسه .
الأسرة لا تبدأ حين يكبر الأبناء ، بل منذ طفولتهم وأيام لهوهم ، منذ أن كانوا يجتمعون على مائدة واحدة وفي وقت واحد ، منذ لعبهم في الحارة ، منذ ذهابهم وعودتهم من المدرسة . كان الأخ عضيداً لأخيه ، والكبير سانداً لأبيه . وآنذاك كانت الأسرة هي الحامي بعد الله .
صدقوني لن تجدوا قلبا يحبكم كقلبك أخيكم ، ولن تجدوا رحما أرحم بكم من أخواتكم . كل ما في الدنيا من مال أو أولاد ، لا تعوض محبة الأخ لأخيه ، ولا الأخت لأختها . كل منا يخطئ ويقصر ويختلف مع أخوته ، ولكن العاقل فقط هو من يجعل وسام الأخوة غير قابل للمساس به .
الأسرة ” خيمة ” لها عمودها ، وحوله أوتادها ، ورواقها الذي يحميها من الرياح ، وسقفها الذي يظلل على من بداخلها . فهل تستقيم الخيمة بلا عمود ، أو يأنس أفرادها دون أوتاد ، أو تصمد بلا سقف أو رواق !؟ اترك الإجابة لمن يعتبر . لكم تحياتي