نشرت نشرة بتروليوم أرقس (Petroleum Argus)، المتخصصة في تحليل أسواق الطاقة والسلع العالمية، تقريرًا موسعًا بعنوان «من اكتشاف حقل الدمام إلى الطاقة التي تدعم البيانات: مرحلةٌ تاريخية جديدة للطاقة في المملكة؟».
وأكد التقرير أن المملكة العربية السعودية تعيش تحولًا جوهريًا في قطاع الطاقة يشبه في أهميته لحظة اكتشاف النفط لأول مرة عام 1938م، إذ تمزج اليوم بين كفاءة الإمدادات والطاقة المتجددة منخفضة التكلفة والهيدروجين النظيف لتصبح مركزًا عالميًا للطاقة المستدامة والرقمية.
طاقة موثوقة وميسورة التكلفة تقود الاقتصاد العالمي الجديد
وصف وزير الطاقة السعودي القدرة على توفير طاقة موثوقة وبأسعار مناسبة بأنها الركيزة الأساسية للنمو الاقتصادي العالمي، الذي يعتمد اليوم على قطاعات الذكاء الاصطناعي، ومراكز البيانات، والمعادن الحيوية، والصناعات المتقدمة.
وأشار إلى أن “الاقتصاد العالمي الجديد” يتشكل حول قطاعات رقمية وصناعية كثيفة الاستهلاك للطاقة، وأن استمرار توسع هذه القطاعات مرهون بتوافر إمدادات طاقة مستقرة ومنخفضة الانبعاثات. وأضاف قائلاً: «من دون طاقة مستدامة وموثوقة يمكن الاعتماد عليها، سينهار الاقتصاد العالمي، وهذه الموثوقية هي ما بنته المملكة بعناية».
نموذج سعودي فريد لقطاع الكهرباء يعتمد على “المشتري الرئيس” لضمان الكفاءة والاستدامة
وأوضح التقرير أن الثقة السعودية في مستقبل الطاقة تنعكس في النموذج الوطني لقطاع الكهرباء، القائم على فكرة «المشتري الرئيس»، حيث تتولى جهة واحدة شراء الوقود من أرامكو السعودية وشراء الكهرباء من المنتجين، ثم تطرح مناقصات تنافسية لمشروعات الطاقة التقليدية والمتجددة، قبل بيع الطاقة للموزعين.
هذا التنظيم المتكامل، المقترن بالتخطيط المركزي طويل المدى والشراء المبكر للمعدات، مكّن المملكة من تحقيق كفاءة عالية في التكلفة، وتجنب أزمات سلاسل الإمداد العالمية.
توربينات غازية ومشروعات شمسية تحقّق أرقامًا قياسية في انخفاض التكلفة
قال الوزير: «لقد اشترينا جميع التوربينات الغازية المزدوجة من شركتَي سيمنس وجنرال إلكتريك حتى عام 2028م، ولو تأخرنا عامًا واحدًا لما كان ذلك ممكنًا».
وأشار التقرير إلى أن مشروعات الطاقة الشمسية في المملكة، مثل مشروع الشعيبة (1.04 سنت أمريكي لكل كيلوواط ساعة) ومشروع نجران (1.09 سنت أمريكي لكل كيلوواط ساعة)، تحتلان المرتبتين الأولى والثانية عالميًا في انخفاض تكلفة إنتاج الكهرباء.
كما يُباع الغاز المحلي بنحو 2.15 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، أي أقل بكثير من الأسعار الأوروبية والآسيوية التي تتجاوز 12 دولارًا، ما يجعل المملكة من أقل دول العالم في تكاليف التوليد الحراري.
السعودية ترفع قدرتها الإنتاجية من الطاقة المتجددة إلى 64 جيجاواط بنهاية العام
تستهدف المملكة رفع قدرتها الإنتاجية من الطاقة المتجددة من 3 جيجاواط في عام 2020 إلى 64 جيجاواط بحلول نهاية هذا العام، فيما تم ربط نحو 12.3 جيجاواط منها بالفعل بالشبكة الكهربائية الوطنية.
وتعمل وزارة الطاقة على أتمتة الشبكة بنسبة 40% بحلول عام 2026، أي قبل الموعد المستهدف في رؤية 2030، مما يعزز كفاءة التوزيع واستدامة الإمدادات.
محطة الدوادمي لطاقة الرياح تسجل أدنى تكلفة إنتاج كهرباء في العالم
أبرز التقرير مشروع محطة الدوادمي لطاقة الرياح الذي وُقّع عقده هذا الأسبوع مع تحالف تقوده شركة كيبكو الكورية الجنوبية ويضم شركة الاتحاد للماء والكهرباء الإماراتية، إذ بلغت تكلفة الإنتاج 1.33 سنت أمريكي لكل كيلوواط ساعة، لتصبح أرخص مصدر كهرباء من طاقة الرياح في العالم.
كما تعمل المملكة على تحويل أو إيقاف مرافق تولد 23 جيجاواط من الكهرباء باستخدام النفط وسوائله، واستبدالها بالغاز الطبيعي الأكثر كفاءة لتقليل الانبعاثات وتعزيز الكفاءة التشغيلية.
الهيدروجين النظيف والوقود الاصطناعي ركيزتان رئيسيتان لمستقبل الطاقة السعودي
أوضح التقرير أن الغاز والطاقة المتجددة منخفضا التكلفة يشكلان الأساس لتوسع المملكة في إنتاج الهيدروجين النظيف والوقود الاصطناعي، مشيرًا إلى أن المملكة تعمل على مشروعات احتجاز الكربون التي تقودها أرامكو السعودية لتقليل الانبعاثات.
كما أشار إلى أن الطاقة النووية والمفاعلات المعيارية الصغيرة تمثل خيارًا استراتيجيًا طويل الأمد لتعزيز مزيج الطاقة الوطني.
رؤية سعودية جديدة: تحويل تحديات الطاقة إلى فرص اقتصادية عالمية
وفي ختام التقرير، أكد الأمير عبدالعزيز بن سلمان أن تحول الطاقة يجب أن يُنظر إليه كـ فرصة اقتصادية وليس كقيد بيئي، وهو توجه يتماشى مع رؤية المملكة ويدعمه عدد من الدول، وفي مقدمتها الإمارات العربية المتحدة.
وأشار التقرير إلى أن النهج السعودي منخفض الكربون، القائم على الكفاءة والموثوقية بدلاً من الإقصاء التدريجي لأنواع الوقود، يمثل الركيزة الأساسية لموقف المملكة قبيل انعقاد مؤتمر المناخ (COP30) في البرازيل.
واختتم التقرير بأن المملكة تسعى لتثبيت مكانتها كـ قوة عالمية للطاقة المستدامة والرقمية، من خلال ربط الطاقة بالرقمنة والنطاق العريض والبيانات، بما يضمن استمرار إمدادات موثوقة ومنخفضة التكلفة لعقود قادمة.