التخطيط العمراني بالعالم يعتمد المدن الذكية ملاذا لأكثر من ثلثي السكان 2070


السبت 06 مايو 2023 | 10:27 مساءً
المدن الذكية ملاذ العالم المستقبلي
المدن الذكية ملاذ العالم المستقبلي
واس ، فريق السعودي اليوم

دخل العالم سباقًا محمومًا خلال العقود الماضية على بناء المدن الذكية Smart Cities، بغية مواجهة تحديات الزيادة السكانية المطردة في المدن التي يُقيم فيها أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية.

 وستصل نسبتهم إلى 60 %بحلول عام 2030م، منهم سكان الدول العربية الذين شكّل وجودهم في المدن إلى إجمالي عدد السكان عام 2019م ما يقارب 59 %، أي بمعدل أعلى من المتوسط العالمي وفقاً لبيانات البنك الدولي عام 2021م، وهي مؤشرات مقلقة قد تُلقي بظلالها على مشاريع تخطيط المدن وبُنيتها التحتية، ومستوى الخدمات العامة فيها ما لم تتحرك الحكومات نحو تطوير المدن.

 التوجه إلى المدن الذكية أمر حتمي تشرئب إليه الأعناق

ولم يكن خيار التوجه إلى المدن الذكية في هذا القرن خيار ترف تنموي، بل كان أمراً حتمياً تشرئب إليه الأعناق، بعد أن فرضت التغيرات الديموغرافية والثورة التكنولوجية نفسها على العالم، واكتظَّت المدن بالسكان مصحوبة بمتطلبات تنموية متزايدة لتلبية احتياجات العيش فيها؛ لذا يُنظر للمدن الذكية بمثابة السهل الممتنع في حيّزها وعالمها الافتراضي، التي يعوّل عليها في تبنّي سياسات ومخططات مُدن تضم مجتمعات بشرية ضخمة، في بيئة أكثر تطورًا وابتكارًا وصديقة للبيئة مرتكزة على مزيج تنموي، يجمع ما بين رأس المال البشري والاجتماعي والبنية الرقمية والمعلوماتية.

وأشار الدكتور وليد بن سعد الزامل الأستاذ المشارك في قسم التخطيط العمراني بجامعة الملك سعود، إلى أن المدن في الماضي عانت جرّاء تطور النشاط الصناعي والاقتصادي على حساب استنزاف البيئة والموارد؛ مما أثر سلبًا على جودة الحياة ومستويات الرضا المجتمعي.

 وأكد الزامل في حديثه لـ 'واس' أن التوجّهات الحديثة في التخطيط العمراني بالعالم، جاءت لتخدم مبادئ الاستدامة، أي التوازن ما بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لخدمة الجيل الحالي والأجيال المستقبلية.

المدن الذكية ملاذ العالم المستقبليالمدن الذكية ملاذ العالم المستقبلي

المملكة تعتمد استراتيجية جديدة لمفاهيم المدن الذكية 

وفي خطوة استشرافية اعتمدت المملكة استراتيجية جديدة، مدفوعة بتشريعات وخطط تطويرية لأنظمة ومعايير التخطيط العمراني، تُطبّق فيها مفاهيم المُدن الذكية التي تستخدم التقنيات المتقدمة، وتستوعب النمو السكاني المتزايد في المدن مع دعم جوانب التنمية ومراعاة البيئة السعودية وفق أفضل الممارسات العالمية.

إضافة إلى تنظيم التنمية الحضرية وتعزيز المشاركة المجتمعية والاستغلال الأمثل للموارد البلدية مثل: البيئة والإسكان والبنى التحتية والتعليم والصحة والنقل، للارتقاء بمستوى جودة الحياة، وتعزيز البعد الإنساني في مدن المملكة، ورفع مستوى المعيشة فيها، مع الالتزام بتحقيق صافي الانبعاثات الصفري.

الرياض تسابق الزمن لكي تكون من أكبر عشر مدن اقتصادية في العالم

ودخلت مدينة الرياض السباق الدولي لكي تكون من أكبر عشر مدن اقتصادية في العالم، حسبما أكد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظه الله – في مستهدفاته الطموحة، التي أعلن عنها خلال مشاركته في الدورة الرابعة لمبادرة مستقبل الاستثمار.

 وأشار سموه إلى أنه يستهدف أن تكون الرياض من أكبر عشر مدن اقتصادية في العالم وأن يصل سكانها إلى ما بين 15 و 20 مليون نسمة عام 2030م.

 وشدد سموه على أن المدن تشكل 85 % من اقتصاد العالم، وأن التنمية الحقيقية تبدأ من المدن سواء في الصناعة أو الابتكار أو في التعليم، أو في الخدمات أو في السياحة وغيرها من القطاعات.

وفي ذلك السياق رأى الدكتور وليد الزامل أن نجاح التخطيط العمراني في إطار التحول نحو المدن الذكية، ينبغي أن ينبثق من جملة من المبادئ التي تؤكد على بناء إطار يعزز العلاقة بين الإنسان والمدينة، باستخدام بنية ذكية قادرة على تطويع البيئة الحضرية لخدمته، ويشمل ذلك تطوير أنظمة النقل والمواصلات والخدمات اللوجستية، والبنية التحتية والاتصالات، والإسكان، والإدارة الحضرية وحوكمة الخدمات الحكومية بشكل يتواكب مع التقدم التقني، ويساهم في الوقت نفسه في الارتقاء بأساليب المعيشة.

المدن الذكية ملاذ العالم المستقبليالمدن الذكية ملاذ العالم المستقبلي

مؤشرات دولية على تحول المدن التقليدية إلى مدن ذكية

ويوجد مؤشرات دولية من شأنها المساعدة في تحول المدن القائمة حاليًا (المدن التقليدية) إلى مدن ذكية، حُدّدت في خمسة مرتكزات رئيسة هي: البنية التحتية، والشمولية في الخدمات، وجودة الحياة، والاستدامة البيئية، واستخدام تقنية المعلومات والاتصالات التي حققت فيهت المملكة مراكز متقدمة، حسبما أعلن اتحاد (ITU) عام 2023م.

 وحصلت المملكة على المركز الثاني على دول مجموعة العشرين، والمركز الرابع عالميًا في جاهزية التنظيمات الرقمية، وهذه عوامل مهمة تساعد على سرعة تنفيذ مشروعات المستقبل، ومنها البنية الرقمية لمشروعات المدن الذكية التي برز منها في المنطقة العربية 24 مدينة ذكية، من أصل 115 مدينة رئيسة ترَكّز 46 % منها في: المملكة، والإمارات، وقطر.

وتوقع خبراء التنمية البشرية أن يقطن أكثر من ثلثي سكان العالم المدن الذكية بحلول عام 2070م، لكنهم أكدوا أن نجاح هذه المدن يبقى مرهونًا ببناء مجتمع المعرفة ليسهل الاندماج فيها، إذ تشكل المعرفة أحد أهم الموارد الحيوية للمدن الذكية التي ستتطور فيها خدمات الإنترنت وتقنيات الاتصالات يرافقها تدفق هائل في حجم تبادل المعلومات.

نموذجان مختلفان للمدن الذكية 

وتقوم المدن الذكية على نموذجين مختلفين، وفقاً لتقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا 'الإسكوا'، الأول: الحقل البني Model Brownfield الذي تحدث فيه عملية التحول للمدن الذكية على مدن تقليدية قائمة، والثاني: الحقل الأخضر Model Greenfield الذي تُنشأ فيه مدن جديدة على أرض بيضاء، واتجهت الدول العربية إلى تبنّي نموذج الحقل الأخضر مثل: المملكة، والإمارات، والكويت، وقطر، ومصر، ومنها من نفذ نموذج الحقل البني لحل مشاكل التوسع الحضري والاستدامة القائمة وتقديم أنواع مختلفة من الخدمات الذكية لمواطنيها كما جرى في مدن: جدة، والرياض، ودُبي، وعُمان، ومسقط.

علاوة على 'نيوم' أطلقت المملكة عددًا من مشاريع المدن الذكية الطموحة التي كان محورها الإنسان والبيئة ساعية إلى دمج أحدث الابتكارات التقنية في تصاميمها وبنيتها التحتية لتحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030، بيد أن 'ذا لاين' برز كمشروع سعودي عالمي في تصميم الحياة الحضرية وعُدْ هدية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز للبشرية، في كيفية تخطيط المدن إلى الـ150 سنة القادمة، وفي تطويع المملكة لحلول الذكاء الاصطناعي والبيانات لبناء المجتمعات المستدامة، كما أكد ذلك وزير الاتصالات وتقنية المعلومات المهندس عبدالله بن عامر السواحة.

المدن الذكية ملاذ العالم المستقبليالمدن الذكية ملاذ العالم المستقبلي

870 مليار دولار بحلول عام 2026م.. حجم سوق المدن الذكية 

وعن الجانب الاستثماري للمدن الذكية يقول إبراهيم بن عبدالله الزهيميل أحد المستشارين الاقتصاديين في المملكة في حديثه لـ 'واس' : إن المدن الذكية من الاستثمارات الضخمة التي تتجه إليها دول العالم المتقدمة وسيصل حجم السوق فيها إلى 870 مليار دولار بحلول عام 2026م.

 وقد يخلق تطوير هذه المدن فرصاً تجارية بقيمة 2.46 تريليون دولار وإيرادات بقيمة 241.02 مليار دولار بحلول عام 2025م.

 فيما أفاد تقرير القمة العالمية للحكومات 2023 أن حجم سوق المدن الذكية العالمية قد يصل إلى 7 تريليونات دولار بحلول 2030، وتوقع الزهيميل أن يرتفع الإنفاق التقني على مبادرات المدن الذكية في العالم إلى أكثر من 189 مليار دولار عام 2023م.

وتسعى الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي 'سدايا' إلى تمكين المدن الذكية من خلال تبني أحدث تقنيات البيانات والذكاء الاصطناعي، وتوفير بنية مبنية على أحدث أنظمة الحوسـبة السـحابية (ديـم) وتعزيز الوصول إلى البيانات الوطنية عن طريق بنك البيانات الوطني؛ لذا دشنت المنصة الوطنية للمدن الذكية لبناء منظومة تقنية متكاملة لحلول المدن الذكية التي تخدم القطاعات ذات الأولوية، ومركز عمليات الرياض الذكية، الذي يضم مؤشرات تشغيلية حية لمتابعة القطاعات الحيوية بالرياض ومراقبة مستوى الخدمات ورفع مستوى جودة الحياة.

اقرأ أيضا