قبل أكثر من عشرين سنة ، كنت جالساً أتناول وجبة الغداء في أبراج الكويت . وكان الطقس كالعادة شديد الحرارة . وفي الطريق القريب من الأبراج كان هناك عامل آسيوي يجمع القمامة في عز الظهيرة . قلت لصاحبي الذي كان معي .. هل تعتقد أن أبناء وأسرة هذا العامل المسكين يدركون حجم معاناته في الغربة وفي هذه الأجواء اللاهبة كي يرسل لهم راتبه نهاية كل شهر ، ليعيشوا ويتعلموا ويستمتعوا بحياتهم !؟ . أقصد: هل يقدرون حجم تضحيته !؟
قبل أسبوع شاهدت أحد المقاطع المصورة في إحدى مدارس الصين؛ حيث جلس الطلاب الصغار لمتابعة تلك المقاطع . والمفاجأة التي شاهدوها ، كانت مقاطع للأعمال المتعبة وربما الشاقة التي يقوم بها أباؤهم لتأمين مصاريف دراستهم وتأمين حياة كريمة لهم . ومن قوة المفاجأة ، كانت ملامح وجوه الصغار تتغير من مقطع إلى آخر.
أعرف أننا- كمسلمين أولاً وكبشر ثانياً- تحتفظ للأم بمكانة أكبر من مكانة الأب بثلاثة أضعاف كما رددها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . حيث قدم فضل الأم ثلاث مرات وفي الرابعة ذكر فضل الأب . هذا التفضيل الذي لا خلاف عليه ، جاء تقديراً للدور الذي تقوم به الأم من مشقة الحمل وصعوبة الوضع وطول فترة الرضاعة ومن ثم التربية والسهر على راحة الأبناء ( رحم الله أمي ورحم أمهاتكم ممن غادرن هذه الحياة وحفظ أمهات من لا زلن على قيد الحياة ) .
كل ذلك لا يعني أن ليس للآباء أي حقوق أو واجبات على الأبناء أن يقدموها لهم . يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ” الوالد أوسط أبواب الجنة ، فإن شئت فأضع هذا الباب أو احفظه ” .
الأب وإن لم يتقدم على الأم في فضلها ، إلا أن ما يقوم به من أعمال سواء كانت ميدانية؛ حيث التعب والإرهاق ، أو مكتبية ، يخضع فيها لأمزجة الرؤساء وكيد الحساد من الزملاء في العمل ، ناهيكم عن المعاناة النفسية والصراع مع الظروف للحصول على وظيفة ليؤمن السكن والأكل والشراب وكماليات الحياة . كلها عوامل مرهقة ومتعبة تحتاج لمن يقدرها ويثمنها .
بيت القصيد : لا تكسروا ظهور آبائكم بالجفاء والتعالي والتخلي عن واجباتكم تجاههم؛ كي لا تضيعوا ذلك الباب . ولكم تحياتي