كان يتسلل عبر غُرفنا ومجالسنا وبين أثاثنا ودهاليس شقتنا، وأحياناً تحت ملابسنا، كان كالنسيم لا صوت ولا صورة، لا رائحة ولا لون، لا تراه ولا تشعر بأنه حولك، وبرغم ذلك كانت له قدرة عجيبة في حالة السكون، الذي كان يعم منزلنا والهدوء الدائم في دورنا، حتى أبنائي الذين من الطبيعي أن تكثر حركتهم وترتفع أصواتهم وتكثر مشاكلهم كان هو «البنج» المخدر والمهدئ، فيأخذ كُلاً منهم على حدة، ويشغل تفكيرهم لا يملون منه ولا يمل منهم، ارتباط عجيب يأخذهم إلى أعالي جبال الهملايا، وينزلهم إلى قاع المحيط الهادي، يشغلهم بأحداث المشاهير وأخبار الفنانين يجعلهم داخل الملاعب لكي يشاهدوا ما لا تصوره كاميرات الملاعب وأحياناً إلى بيوتهم، يأخذهم إلى العطور الباريسية الجذابة وتقنيات تبييض الأسنان «الهولدية». كانت أسرتنا تجلس في مكان فيعم السكون وتقل الكلمات والنظرات وتكثر الابتسامات وعلامات التعجب والذهول.
انقطع هذا النسيم العجيب (النت) لعدة ساعات، فعادت الحياة إلى بيتنا وأغلقت الأجهزة وفتحت أبواب الغرف وما هي إلا سويعات حتى تجمعنا بلا ميعاد في الصالة وشممنا روائح الطبيخ وفوح القهوة.
فتحنا ملفات كانت مغلقة وتناقشنا في عدة أمور أجلت لسنوات، ورتبنا مقاعد الصالة، وبحثنا عن كتب كُنا قد فقدناها لزمن.
عدنا في لحظات إلى الزمن الجميل إلى ما قبل (النت) تذكرنا العديد من المهام، التى كانت في غياهب النسيان.
توقفنا عن الاتصال بالعالم الخارجي، ولكننا عاودنا الاتصال بذاتنا وبعالمنا الصغير.
كُنا نشعر بأننا خرجنا من سجن جميل إلى واقع أجمل.
عاد (النت) مرة أخرى فتقوقعنا وانكمشنا فعاد كل إلى غرفته لكي يعيد ما فاته من رسائل ومقاطع وأخبار وسنابات وعاد السكون المطبق مرة أخرى والسكوت،
كانت فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز نصف اليوم الواحد ولكننا أيقنا أننا أسرة مخطوفة بمشيئتنا وبكامل قوانا العقلية، أسرة خطفتنا التقنية من ذواتنا، ولا بد أن ينقطع مرة أخرى، فنعود كما كُنا أسرة مرتبطة روحاً وجسداً. والله المستعان.
تحويلة:
يجهل الكثير من مديري الفروع والإدارات أن جزءا من مهامهم هو التصريح لوسائل الإعلام، والرد عليهم وتوضيح ما يمكن أن يؤول أو يحرف، وبعضهم «الأذكياء» يستغل ما يطرح عليه من أسئلة واستفسارات لتمرير معلومة تبين الوجه المشرق للإدارة، التى يترأسها، ويجب أن يكون الصحفي على دراية تامة بأنه لا يطلب من المسؤول معروفا أو جميلا، بل واجب يؤديه الاثنان للمصلحة العامة.