تحبس القارة العجوز أنفاسها ترقبًا لتطورات الأوضاع فى واحد من حبات العقد الأوروبى، التى توشك أن تنفرط بعد مرور 3 سنوات فقط، على انسحاب المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية من الاتحاد الأوروبي والمجموعة الأوروبية للطاقة، فيما عرف باتفاقية بريكست.
تزايد التوجه نحو الشرق
جسد المخاوف الأوروبية الأخيرة، تصاعد دعوات مواطنى المجر للخروج من الاتحاد الأوروبى، حيث تُظهر استطلاعات الرأي أنَّ المجريين يتجهون نحو الشرق بشكل متزايد، ويعزز هذا التوجه هيمنة رئيس الوزراء فيكتور أوربان المهاجم للاتحاد الأوروبي؛ على الحياة العامة لسنوات.
تعكس تلك الحملة تطورات مثيرة للقلق الأوروبى، إزاء واحدة من الدول الشيوعية السابقة والتى حصلت على أكثر من 100 مليار يورو (110 مليارات دولار) منذ انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي في 2004، لذا فهى أضحت أهم اختبار لوحدة الاتحاد الأوروبي وسلامته.
أقل تعاطفًا مع الأمريكيين والأوكرانيين
وأظهراستطلاع 'يوروباروميتر' الأحدث، أجراه الاتحاد الأوروبي ، انخفاضاً مجرياً قدره 12 نقطة مئوية في دعم التكتل، وهو أكبر انخفاض بين أعضائه البالغ عددهم 27، كما وجد مسح آخر أنَّ غالبية مؤيدي أوربان يعتبرون أنفسهم 'أكثر تعاطفاً' مع الروس والصينيين و'أقل تعاطفاً' مع الأميركيين والأوكرانيين.
انسحاب المملكة المتحدة فى 2020
يعزز تلك المخاوف، التداعيات الاقتصادية السلبية جراء انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي 'بريكست' في يناير 2020، حيث يعتبر التكتل من ثاني أكبر اقتصاداته بعد استفتاء مثير للانقسام تمكّنت الحكومة من الفوز به. ومع ذلك؛ فإنَّ وقوع حدث سياسي مماثل في المجر -وإن كان أقل تكلفة- يمكن القول عنه إنَّه أكثر رمزية كونها شكّلت ذات يوم مثالاً لتوسع الاتحاد الأوروبي الناجح بعد الحرب الباردة.
حجب 28 مليار يورو عن المجر
ما يزال الاتحاد الأوروبي يحجب تمويلاً يتجاوز 28 مليار يورو عن المجر بسبب مخاوفه تلك، بالرغم من أنَّ مفوض الميزانية يوهانس هان قال في مقابلة يوم الخميس إنَّه يمكن الإفراج عن نحو 13 مليار يورو في الأسابيع المقبلة بعد صفقة تهدف إلى استقلال القضاء وعدم تسييس المحاكم.
ورغم رفض أوربان مراراً فكرة اعتزامه إخراج المجر من الاتحاد الأوروبي، مُعتبراً أنَّ المغادرة لن يكون لها أي معنى، بالنظر إلى مدى تشابك بلاده مع التكتل التجاري، إلا أن التزام رئيس الوزراء المجري تجاه أوروبا لا زال يثير شكوك، لاسيما بالنظر إلى أفعاله وخطابه منذ غزو روسيا لأوكرانيا.
طرحت الحكومة فكرة 'هوكست' أثناء جائحة كورونا عندما قال وزير المالية ميهالي فارجا إنَّ عضوية الاتحاد الأوروبي قد 'تُصاغ من منظور جديد' بمجرد أن تصبح المجر مساهماً صافياً في ميزانية التكتل، وهو ما قال إنَّه قد يحدث بحلول 2030. وأطلق هيغيدوس على ذلك صفة 'بالون اختبار' لقياس الرأي العام بشأن العضوية.
أوروبان يتهم أوروبا بمحاصرته
منذ ذلك الحين، يهاجم أوربان الاتحاد الأوروبي بسبب محاولة محاصرته مالياً مع انهيار الاقتصاد والعملة. وتنشر العشرات من محطات البث والصحف والمواقع الإلكترونية التي تسيطر عليها آلة أوربان السياسية الرواية القائلة بأنَّ دعم الاتحاد الأوروبي إلى أوكرانيا يضر بالمجر.
تظهر على اللوحات الإعلانية التي ترعاها الحكومة قنبلة كُتِب عليها 'عقوبات'، وتلقي باللوم على الاتحاد الأوروبي في 'تدميرنا'. ورفض أوربان تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا، وقد تلكأ بالموافقة على توسع حلف شمال الأطلسي أثناء إبرامه صفقات طاقة مع روسيا.
في كلمته الإذاعية المعتادة، قال أوربان في 31 مارس إنَّ الناس قد يبدأون في التشكيك في 'وجود الاتحاد الأوروبي برمته' بسبب دعمه لأوكرانيا. وبعد أسبوعين، قال إنَّ سحب المساعدات سينهي الحرب.
أغنيس أوربان، مديرة 'ميرتيك ميديا مونيتور'، وهي هيئة مراقبة إعلامية في بودابست، قالت إنَّ 'المجر لم تفلح أبداً في استيعاب قيم الاتحاد الأوروبي حقاً، فقد كان الأمر في حقيقته يتعلق بالمال. أما وقد أصبحت الأموال لا تتدفق الآن، أضف إلى ذلك الدعاية، فسيكون للاثنين معاً تأثير قوي'.
بينما كان أوربان يتودد إلى روسيا والصين خلال حكمه المتواصل منذ عام 2010، ظلّ المجريون على نطاقٍ واسع مؤيدين للاتحاد الأوروبي. لكن بعد أن واجه اقتصاد البلاد ركوداً عميقاً وتضخماً يتجاوز 25%؛ فإنَّ هذا التأييد ينهار الآن، والأكثر إثارة للاهتمام هو انضمام الشباب بأعداد كبيرة لحزب معارض مناهض لحلف شمال الأطلسي.
يبلغ دعم الاتحاد الأوروبي بين المواطنين في المجر 39% حالياً، مما يضعها في المرتبة الخامسة من أسفل بين 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي جنباً إلى جنب مع جمهورية التشيك وسلوفاكيا في استطلاع 'يوروباروميتر'. في حين أنَّ هذه النسبة كانت 51% قبل عام.
وأفصح مفوض الميزانية الأوروبية يوهانس هان، الذي سيلتقي مع أوربان الأسبوع المقبل في بودابست، أنَّه يشعر بالقلق إزاء صعوبة استعادة الدعم. مع ذلك؛ قال: 'يعرف الناس مدى استفادتهم من الاتحاد الأوروبي. الثقة في المؤسسات الأوروبية أعلى منها في الأحزاب الوطنية'.