بسام عبد السميع يكتب: أخطاء الآخرين ليست دليل براءتنا


الاحد 26 أكتوبر 2025 | 08:02 مساءً
بسام عبد السميع
بسام عبد السميع
بسام عبد السميع

في زمنٍ صارت فيه الأصوات أعلى من القيم، والأضواء تُسلّط على الزلّات لا على الحقيقة؛ تفاقمت ظاهرة التغني بسقوط الآخرين، وكأنّ أخطاءهم دليل براءتنا ؛ وكأنّ عثراتهم دليل على أننا أطهار.

لقد أدّت وسائل التواصل الاجتماعي إلى تضخّم المجد الزائف عبر تشويه الآخرين ولفت الأنظار إليهم فيصبح المشوه للآخرين ناقدا ومعارضا بل ومرشدا إلى الفاسدين والمقصرين وغير المتفانين في العمل ؛ تشويه يقوم الغمز واللمز لا على التبل ؛ على الشماتة لا على الإصلاح، وعلى الصوت العالي لا الأخلاق .

صرنا نرفع شعار: “انظروا إليهم، ألم أقل لكم؟ هؤلاء هم ؟، هؤلاء لا يعملون ؟ لا يجتهدون ؟ وكثير كثير من تلك التعبيرات البراقة الخادعة ، وصار الطهر يُقاس بالحديث عن عيوب الناس، لا بمحاسبة النفس.

وهكذا أصبح سقوط الآخرين برهان طهارتنا المزعومة، وهو وهمٌ خطير، لا يقرّه عقلٌ ولا يرضاه شرع، لأن كل نفسٍ بما كسبت رهينة، ولأنّ الستر والرحمة هما جوهر الإيمان لا التشهير والشماتة.

يُروى عن الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله أنه كان يسير في أحد أزقّة بغداد القديمة ومعه تلاميذه، وإذا برجلٍ سكرانٍ مُلقى في ساقيةٍ على قارعة الطريق، ملابسه متّسخة وحاله يُرثى له.

فناداه ذلك السكران بصوتٍ مبحوح: “يا عبد القادر، اللهُ قادرٌ أم غير قادر؟”

فابتسم الشيخ وقال: “بلى، قادر.”

فعاد الرجل يناديه ثانية: “يا عبد القادر، الله قادر أم غير قادر؟”

فأجاب الشيخ ثانيةً مبتسمًا: “بلى، قادر.”

ثم ناداه للمرة الثالثة قائلاً: “يا عبد القادر، الله قادر أم غير قادر؟”

وهنا توقّف الشيخ، وبكى، وخرّ ساجدًا على الأرض وهو يقول من أعماق قلبه: "بلى والله، قادرٌ… قادرٌ… قادر!”

ثم أمر تلاميذه قائلاً: "احملوه، واغسلوه، وطيّبوه، وأكرموه.”

فتعجب التلاميذ من فعل الشيخ وسألوه: : "يا شيخنا، ما معنى ما قاله هذا السكران؟”

فقال الشيخ بصوتٍ متهدّج وقد اغرورقت عيناه بالدموع: "في المرة الأولى كان يقصد: هل الله قادر أن يتوب عليّ؟ فقلت: بلى قادر. وفي الثانية كان يعني: هل الله قادر أن يجعلك مكاني؟ فقلت: بلى قادر. وفي الثالثة كان يعني: هل الله قادر أن يجعلني مكانه؟ فبكيت وسجدت وقلت: بلى قادر، قادر، قادر. وسألت الله ألا يأمنني مكره، وألا يسلبني عافيته وستره.”

لقد كان الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله (ولد سنة 471هـ / 1078م وتوفي في 561هـ / 1166م ببغداد)، أحد كبار العلماء والمتصوفة، سُمّي بـ«الجيلاني» نسبةً إلى موطنه جيلان في ايران. عُرف بالزهد والعلم والورع والحكمة، وكان مثالاً في التواضع ولين القلب — يرى في خطيئة الآخر مرآةً تُذكّره بضعفه، لا منبرًا يعلو عليه.

إنّ سقوط الآخرين لا يزيدنا طهارة، كما أن خطأهم لا يمنحنا فضلًا. فربّ خطأ أنتج يقظة واستدعى ضميرا، و ربّ تشويه أصاب صاحبه بالغرور فسقط مفضوحا. إن القيمة الحقيقية ليست في أن نُدين، بل في أن نفهم.

وفي زمنٍ تضخّمت فيه المنصّات، وصار الناس يقيسون المجد بعدد من استطاع تشويههم لا بعدد من أصلحهم وساعدهم، وتظلّ الحقيقة ناصعة: سقوط الآخرين ليس برهان طهارتنا.

وقد عايشت كثيرين تحدثوا عن فساد الآخرين فاذا هم الفساد حينما بكتمل بلافتة التطوير والهيكلة والمرحلة؛ وماكان تشويه غيرهم إلا لافتة يختبئون وراءها، فالتغني بالقيم والاخلاق حديث تطرب له الآذان والقلوب لانه صار حلما. ولمست عند آخرين ممن ينشغلون بالبناء لا الهدم انهم لا تشغلهم سلوكيات الاخرين ولا يرفعون شعارات مكافحة الفساد،لانه لا يعرفوه ، وكل من انشغل بغيره او قضيته اليوم الحديث عن سابقيه فليس لديه شيء آخر .

بسام عبد السميع
الكاتب الصحفي بسام عبد السميع