عرفت المنطقة العربية العمل التطوعى من قديم الأزل، والذى تعددت أشكاله تبعًا لطبيعة كل عصور ومقتضاياته واحتياجات أهله، وكان ولا يزال للمملكة نصيب الأسد من المجموعات التطوعية بين أهالي الحاضرة، والضاحية، والهجرة، والقرية، والبادية؛ في كافة مناطق المملكة، سواءً في أوقات الأفراح أو الأتراح.
تطور العمل التطوعي
وتظهر صور العمل التطوعى جليًا في مواسم الزراعة، وحفر الآبار العربية، و بناء بيوت الحجر أو الطين أو نصب الخيام، حيث يتم هذا الأمر تلقائيًا، بما تمليه عليهم طبيعة الحياة, وما تضمه من واجبات مجتمعية فيما بينهم.
اقرأ أيضًا:
دول الخليج نجحت في تحقيق 100% في توفير احتياجات المياه للسكان
"رئاسة الحرمين" تقدم خدماتها لـ 976 ألف مصلٍ ومعتمر و3.6 ألف استفادوا من خدمة التطويف
قديمًا كان يطلق على ذلك عدة مسميات من بينها الفزعة أو العونة (المساعدة) وهو تكافل مجتمعي متبادل في تعاملات أفراد هذه الضواحي والقرى دون انتظار أي مقابل مادي أو عيني، بهدف تحقيق المصلحة العامة أولاً، قبل أن تتطور أخيرًا لما يسمى بالعمل التطوعى.
مجالات التطوع
لم تقتصر مجالات التطوع على نواحى المساحة المادية فحسب، لكنها امتدت إلى تعليم الأبناء القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم، وبعضًا من علوم اللغة والفقه، وتطورت صورها التي يتوارثها الأجيال، إلى أن أصبحت حديثًا منصة تنمية ثقافية من إحدى أهم أهداف رؤية المملكة 2030، للوصول إلى مليون متطوع في عام 2030، وتوفير بيئة مناسبة لتنمية العمل التطوعي، وتحفيز أكبر عدد من المتطوعين، و الإهتمام بهم، وفتح الآفاق أمامهم بحيث تكون مهامهم أقل جهدا وأكبر تأثيراً.
مشاركة المرأة
اقتحمت المرأة الأعمال التطوعية منذ أمد بعيد، فقد شاركت المرأة في مساعدة الأهل والأقارب في المنشط والمكره، حيث كان العمل التطوعي بمثابة وسام يرتديه البعض ويفاخر في سرعة الاستجابة له بمد يد العون للشخص المحتاج.
أحد المتطوعين
ومن بين نماذج المتطوعين، روى لوكالة الأنباء السعودية 'واس' المواطن شاكر محمد الثقفي الذي بلغ من العمر 70 عاماً، قصصًا عن الأعمال التطوعية والتكافل المجتمعي الذي توارثت ثقافته الأجيال؛ وما قام به مع آباءه وأجداده في تقديم المساعدة في الزراعة؛ وخدماتها المقدمة من حرث وحصاد وتقليم الأشجار، وسقاية بعضٍ من المزارع في غياب أصحابها.
وذكر'الثقفي'، معاونته في إعادة بناء إحدى عوارض وجدران مزرعة تقع في قريتهم بعد سقوط أمطار غزيرة، راويًا أنه اجتمع مع العديد من أفراد القرية وتم تقسيم المهام فيما بينهم على شكل مجموعات، مجموعة تقوم بجلب المياه، وأخرى تعمل على توفير مؤونة البناء، ومنهم مُعلم للبنّاء، حتى تمت إعادة بناءه في نهار يوم كامل.
وأكد أن التعاون فيما بيننا شمل أيضاً بناء البيوت، والقلاع والحصون، بجلب الأخشاب من الجبال، وحمل الحجارة ذات التشكيلات والألوان المتنوعة والأحجام الصخرية المختلفة، وعند الانتهاء من بناء أساساتها وتقوية جدرانها نقوم بجلب التراب والماء من الآبار في بطون الأودية؛ ونغطي بها المنازل حفاظًا عليها من عوامل الطبيعة مثل سقوط الأمطار أو التيارات الهوائية المصاحبة للشوائب.
مناديب القري
وأضاف الثقفي أن هناك العديد من الأعمال التطوعية الجميلة والراسخة، مستذكرًا في صغر سنه؛ العمل التطوعي المميز الذي يقوم به آخرون كمناديب إلى القرى القريبة المجاورة والنائية، وأماكن تجمع الناس في الأسواق التاريخية، لتبليغهم الخبر بدخول شهر رمضان المبارك، حيث يتطوع العديد لرصد أخبار رؤية هلال شهر رمضان المبارك بالوسائل التقليدية، وكانت ضمن الوسائل الوحيدة لإعلام الناس بدخول الشهر الفضيل هو الشخص المتطوع؛ الذي يجول القرى القريبة والمحيطة ممتطيًا راحلته؛ متطوعًا دون أي مقابل، حيث يأتي بالنبأ الصحيح، وتكون أخباره التي سعى إلى نقلها؛ محل خير وبشائر، تعم بها القرية بنفحات الفرح لاستقبال الشهر الفضيل.
وأشار إلى أنه عايش العديد من أعمال التعاون التي شارك بها والتي يراها أمام عينيه كالمساعدة في الزواجات بإعداد صيوان الفرح للرجال والنساء، واستقبال الوفود الحاضرة، وتجهيز مواقد الطبخ التي تحمل القدور الضخمة، ومد سفر الطعام، وكذلك مساعدة من يتعرض للدغ الزواحف السامة أو مهاجمته من قبل سباع البر، حيث يقومون بإنقاذه وتوصيله لمنزله ومتابعة حالته المرضية، وزيارته والسهر معه، والبحث عن الطبيب الشعبي المناسب الذي يخفف عن وطأته ومن الآمه.
وأشار إلى أنه اليوم -ولله الحمد- نعيش في نعيم ورخاء في ظل حكومتنا الرشيدة – حفظها الله- بكافة عوامل التطور، و الخدمات التنموية المعيشية المدعّمة بأحدث الأجهزة النوعية والكوادر البشرية المتعلمة، التي تقوم بخدمة الوطن بكل اخلاص وأمانة.