يتجلى الفكر التنموي والاستشراف الحضاري للملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود -رحمه الله- من خلال توظيفه أحدث وسائل الاتصالات في عصره، حيث استخدمها لتدعيم مشروعه الكبير في بناء دولة مكتملة الأركان. تعكس هذه الرؤية عبقرية شخصيته وصفاته القيادية، مما ساهم في تحسين حياة المواطنين.
تسهيل التواصل وتحقيق الوحدة
سخَّر الملك عبدالعزيز وسائل الاتصالات لخدمة المواطنين في جميع مناطق البلاد، خاصة مع اتساع أراضيها وتنوع تضاريسها. بذل -رحمه الله- جهودًا عظيمة لتوحيد البلاد وتوطيد الأمن والاستقرار فيها، مما أسهم في توفير الخدمات التعليمية والصحية، ونشر العلم والمعرفة والثقافة والترابط الاجتماعي. كما سهلت الاتصالات التواصل مع المواطنين والحكومة، والتعرف على أحوال الرعية ووضع حلول للتحديات التي تواجههم.
تأسيس شبكة اللاسلكي
استعرضت وكالة الأنباء السعودية 'واس' في تقريرها تاريخ تأسيس شبكة اللاسلكي، التي كانت اللبنة الأولى للاتصالات في المملكة. وفقًا للدكتور علي النجعي، طوَّر الملك عبدالعزيز الشبكة اللاسلكية التي كانت متوفرة في الحجاز، حيث أسس أول شبكة مكتملة بعد دخوله الحجاز عام 1344هـ/1925م. كان هناك عدة محطات لاسلكية في أماكن متعددة من المملكة، رُبطت جميعًا بوحدة لاسلكية متحركة ترافق الملك، تُعرف باسم 'الشنطة الملكية' لتسهيل التواصل.
زيادة المحطات اللاسلكية
زاد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- عدد المحطات اللاسلكية ليصل إلى 28 محطة، منها 22 مركزًا ثابتًا و6 سيارات. كان ذلك بمثابة تضاعف العدد أربع مرات في 7 سنوات، وشملت المدن: ينبع، تبوك، القنفذة، المدينة، حائل، الوجه، العلا، جيزان، جدة، بريدة، ضباء، الجوف، أبها، الطائف، الأحساء، الجبيل، القطيف، العقير، رابغ، والقريات. كما كانت هناك محطتان كبيرتان في مكة والرياض، مما أتاح التواصل مع البلدان الأجنبية بكل سهولة.
إدارة الدولة عبر البرقيات
وفقًا لكتاب 'الاتصالات الداخلية وأثرها في مناحي الحياة في عهد الملك عبدالعزيز'، كان الملك يدير أمور الدولة ويعلم ما يجري في أنحائها المختلفة عبر البرقيات التي يرسلها ويستقبلها كل صباح ومساء عن طريق شبكة اللاسلكي. وأفاد عبدالله بالخير، الذي عمل في ديوان الملك عبدالعزيز بقسم شؤون الإذاعة والصحافة، بأن 'الشنطة الملكية' كانت تتضمن وحدة الاتصالات اللاسلكية المتحركة التي تتحرك مع الملك أينما ذهب.
تسهيل العملية الحكومية
أدى استخدام اللاسلكي في تنظيم إدارة البلاد وشؤون المواطنين إلى تسهيل إيصال الأوامر والتعليمات لأمراء المناطق، مما ساعد في حماية الحدود المشتركة بين المملكة والدول المجاورة. كما سهلت البرقيات عمليات نقل الأوامر الملكية وتبليغ القرارات، وتحسين الخدمات المقدمة لحجاج بيت الله الحرام.
تحسين الحياة الاجتماعية
شجعت الاتصالات اللاسلكية المجتمع على تعزيز الروابط الاجتماعية بين المواطنين. أصبح الشباب يتوجهون لتعلم اللاسلكي، مما ساهم في تطوير مناحي حياتهم وتسهيل التواصل مع عائلاتهم خلال المناسبات.
استمرار التطوير بعد الحرب العالمية الثانية
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، استبدلت الأجهزة القديمة بأخرى متطورة، ليصل عدد المحطات إلى 125 محطة، وتم تأسيس أول نظام إذاعي متكامل في نهاية العام 1368هـ، حيث أُعلنت افتتاح إذاعة المملكة العربية السعودية.
مراكز البرق والبريد
أنشئت في عهد الملك عبدالعزيز مراكز البرق والبريد والهاتف، مع تجاوز عدد المراكز اللاسلكية 60 مركزًا، وتم تأسيس مديرية للبرق والبريد والهاتف مرتبطة بنائب الملك بالحجاز.
التقدم في الاتصالات والتكنولوجيا
واصلت المملكة تطوير منظومة الاتصالات، حيث تم إدخال خدمة التلفون الأتوماتيكي عام 1349هـ، وأُجريت المكالمة التلفونية الأولى بين الملك عبدالعزيز وولي عهده الأمير سعود في عام 1351هـ.
دعم أبناء الوطن في التعليم
أرسل الملك عبدالعزيز أول بعثة من أبناء الوطن إلى لندن لدراسة اللاسلكي، وأُنشئت مدرسة لتحضير المبتعثين. في عام 1370هـ، تمت الموافقة على إنشاء التليفون الأوتوماتيكي لمدينة جدة، وفي عام 1373هـ، أُنشئت مدرسة لتعليم فن التليفون الأوتوماتيكي.
إنجازات المملكة في العصر الحديث
تتبوأ المملكة اليوم مكانةً رياديةً في مجال الاتصالات، حيث حققت المرتبة الثانية عالميًا في أبرز المؤشرات التقنية. هذا التطور يعود إلى رؤية الملك عبدالعزيز التي أسست لقاعدة صلبة من المعرفة والابتكار، مما يتيح للمملكة مواصلة النمو والتطور في مختلف المجالات.