لماذا انخفضت أسعار النفط لأدني مستوياتها في 8 أشهر خلال شهر أغسطس؟


الثلاثاء 27 اغسطس 2024 | 08:30 مساءً
لماذا انخفضت أسعار النفط
لماذا انخفضت أسعار النفط
انس الكومي

لم تؤثر انهيارات يوم الاثنين (5 أغسطس) على سوق الأسهم العالمية فقط بل امتدت آثاره على جميع الأصول المالية مثل الذهب والفضة والنفط والعملات الأجنبية والبيتكوين وغيرها.

بالنسبة لسوق تداول النفط الخام فقد واصلت الأسعار اتجاهها الهبوطي مع افتتاح جلسة يوم الاثنين (5 أغسطس) مستمرة في تسجيل خسائرها الحادة من يوم الجمعة (2 أغسطس)، ويمثل هذا اليوم الثالث على التوالي من الانخفاض مدفوعًا بمخاوف المستثمرين من أن الولايات المتحدة قد تتجه نحو الركود عقب البيانات الضعيفة عن سوق العمل، مما أثر سلبًا على توقعات الطلب على الخام.

لقد تغلبت المخاوف المتزايدة من الركود على مخاطر العرض الناشئة عن الضغوط الجيوسياسية في الشرق الأوسط، فبعد انخفاض أسعار النفط بأكثر من 3% خلال تداولات الجمعة انخفضت العقود الآجلة لخام برنت بنسبة 0.5% مرة أخرى يوم الاثنين مسجلة أدنى مستوى لها في 8 أشهر عند 77.6 دولار للبرميل، وبالمثل، انخفضت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط بنسبة 0.8% لتصل إلى 72.96 دولار للبرميل وهو مستوى لم نشهده منذ ديسمبر 2023، أدى هذا الانخفاض الأخير إلى خسارة خام برنت نحو 5% وخسارة خام غرب تكساس الوسيط 6% حتى الآن في أغسطس.

مخاوف الركود الاقتصادي الأمريكي

أظهر الاقتصاد الأمريكي علامات ضعف في شهر يوليو الماضي، حيث انكمش نشاط التصنيع بأسرع معدل له منذ ديسمبر 2023 وتباطأ نمو الوظائف بشكل كبير، ومن المثير للقلق أن معدل البطالة ارتفع بشكل غير متوقع إلى 4.3% وهو أعلى مستوى منذ أكتوبر 2021، وقد أثارت هذه البيانات الجديدة المخاوف من أن الاقتصاد الأمريكي قد يقع في حالة ركود، مما أدى إلى عمليات بيع حادة في أسعار السلع الأساسية خلال جلستي التداول الأخيرتين.

في أعقاب تقرير الوظائف في يوليو، انتقد العديد من خبراء الاقتصاد البنك الاحتياطي الفيدرالي لحفاظه على أسعار الفائدة المرتفعة لفترة طويلة، ويجادلون بأن البنك الاحتياطي الفيدرالي كان ينبغي له أن يُخفض سعر الفائدة في اجتماع يوليو لدعم الاقتصاد، خاصة مع اظهار بيانات سوق العمل علامات الضعف.

وفي 31 يوليو أبقى البنك الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة دون تغيير عند أعلى مستوى في 23 عامًا عند 5.25% - 5.50% للاجتماع الثامن على التوالي متماشيًا مع التوقعات، الجدير بالذكر أن البنك الاحتياطي ظل عند هذه المعدلات لأكثر من عام الآن، ومع ذلك، أشار رئيس البنك 'جيروم باول' في الاجتماع الأخير إلى أن خفض أسعار الفائدة قد يحدث في أقرب وقت في سبتمبر.

وأشار خبراء الاقتصاد إلى أنه حتى إذا خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة في سبتمبر، فإن الأسعار المرتفعة الحالية جعلت بالفعل الاقتراض أكثر تكلفة لشراء المنازل أو السيارات أو استخدام بطاقات الائتمان، بالإضافة إلى ذلك، قد يستغرق الأمر عدة أشهر إلى عام حتى تتحقق تأثيرات خفض أسعار الفائدة بالكامل في الاقتصاد.

أفاد خبراء اقتصاديون من مجموعة جولدمان ساكس بزيادة احتمال حدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة في العام المقبل إلى 25% من 15%، لكنهم أشاروا أيضًا إلى وجود 'عدة أسباب لعدم الخوف من الركود'، على الرغم من ارتفاع معدلات البطالة.

بالإضافة إلى ذلك، انكمش قطاع التصنيع في الصين بشكل غير متوقع للمرة الأولى منذ أكتوبر الماضي، مما زاد من المخاوف بشأن الطلب على النفط.

في الوقت نفسه، تصاعدت التوترات في الشرق الأوسط، مع مواصلة الاحتلال الاسرائيلي غارته الجوية وهجماته على مدينة غزة، وقد اشتدت الاضطرابات الإقليمية في أعقاب اغتيال 'إسماعيل هنية' زعيم حركة حماس الإسلامية الفلسطينية في طهران يوم الأربعاء (31 يوليو) بعد يوم من غارة إسرائيلية في بيروت قتلت 'فؤاد شكر' القائد العسكري الكبير من حزب الله.

وردًا على ذلك، تنشر الولايات المتحدة قوات عسكرية إضافية في الشرق الأوسط كإجراء دفاعي يهدف إلى تهدئة التوترات الإقليمية، حسبما ذكرت وكالة رويترز نقلاً عن المصادر.

العوامل الرئيسية المؤثرة على أداء النفط الخام في عام 2024

تظل الظروف الاقتصادية العالمية المحرك الأساسي لأسعار النفط العالمية، حيث يعني النمو الاقتصادي المزيد من استهلاك النفط ومن ثم زيادة الطلب، ولكن دعونا نلقي نظرة على بعض العوامل الرئيسية التي ساهمت في أداء النفط الخام، سيساعد هذا المتداولين في العثور على التوجيه أثناء اتخاذ قرارات الاستثمار في الأسواق المالية، وخاصة عندما قد تنشأ تطورات جديدة في السياسة النقدية الدولية وكذلك الاقتصاد العالمي بشكل عام.

إشارات البنك الاحتياطي الفيدرالي

أبقى البنك الاحتياطي الفيدرالي على سعر الفائدة دون تغيير في نطاق 5.25% إلى 5.50% في اجتماع شهر يوليو، كما قرر خفض حجم مبيعات سندات الخزانة الأمريكية والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري الشهرية إلى 25 مليار دولار من 60 مليار دولار سابقًا.

في غضون ذلك، تحدث البنك المركزي الأمريكي بشكل إيجابي عن توازن المخاطر التي يواجهها في تحقيق تفويضه مثل استقرار الأسعار والحد الأقصى للعمالة، بالإضافة إلى النظر في قراءات الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي الإيجابية عند مستوى 1.6% في الربع الأول من عام 2024.

أشار رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي 'جيروم باول' إلى أن سوق العمل حقق مؤخرًا 'التوازن' وأن الخطوة التالية لسعر الفائدة الفيدرالي لن تكون رفعًا، أثار هذا تكهنات بأن الأسعار الحالية إما ستبقى دون تغيير أو يتم خفضها لبقية العام.

بيانات التوظيف

أشارت بيانات التوظيف الأميركية الأخيرة إلى تراجع سوق العمل في الولايات المتحدة، فضلاً عن تدهور ظروف التوظيف ونمو الأجور، وهو ما أثر سلباً على الدولار الأميركي ما أجبره على التراجع لصالح أسعار النفط.

التوترات الجيوسياسية

لا يزال تأثير التوترات الجيوسياسية حاضرة بقوة على الساحة المالية، ويتجلى هذا في حركة سعر النفط، وقد تجددت هذه التوقعات تصاعداً بسبب بدء العمليات العسكرية في رفح، في غضون ذلك، لم تسفر محادثات الهدنة في الشرق الأوسط عن أي شيء تقريبًا.

الاقتصاد الدولي

تظل الظروف الاقتصادية العالمية المحرك الأساسي لأسعار النفط العالمية، حيث يعني النمو مزيد من استهلاك النفط ومن ثم زيادة الطلب وهذا يؤدي بالتالي إلى ارتفاع الأسعار، ويرتبط هذا ارتباطًا وثيقًا بالسياسة النقدية واتجاهها العالمي والتي يقودها البنك الاحتياطي الفيدرالي.

يعكس تقرير التوقعات الاقتصادية العالمية المحدث الصادر عن صندوق النقد الدولي، بعنوان 'تقرير السلع الأساسية' العديد من المخاوف بشأن احتمال تراجع الذهب الأسود، وقد قام التقرير المذكور بمراجعة توقعات النمو العالمي والتي تشير إلى تراجع، ويترجم هذا إلى انخفاض متوقع في مستويات الطلب العالمية الإجمالية على النفط، والتي فرضت بالفعل ضغوطًا هبوطية على أسعار النفط في 2024.

سياسة الإنتاج من أوبك بلس

قابل قرار خفض إنتاج أوبك بلس في أبريل 2024 زيادة في إنتاج النفط الأمريكي، وهو ما يهدد بإلغاء جهود المجموعة لخفض الإنتاج من أجل تعزيز الأسعار العالمية.

بالإضافة إلى ذلك، هناك توقعات بزيادات أخرى في معدلات الإنتاج الأمريكي، خاصة بعد تعهد البيت الأبيض بأن أسعار الوقود ستظل في متناول الجميع مع اقتراب موسم العطلات الصيفية.

مخزونات النفط الأمريكية

يعكس انخفاض المخزونات زيادة الطلب على النفط في الولايات المتحدة والتي تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، بينما تؤدي المخزونات المرتفعة إلى العكس تمامًا، مما يدفع الأسعار إلى الانخفاض لأنها تشير إلى أن الطلب على النفط يعاني في أكبر اقتصادات العالم.

وأخيرًا، قد تتدخل التوترات الجيوسياسية إذا تصاعدت، وقد يؤدي هذا إلى ارتفاع الأسعار بسبب المخاوف بشأن طريق تجارة النفط الخام الذي تصدره دول الخليج وإيران.

إنتاج النفط في أمريكا الشمالية

تعتبر الولايات المتحدة وكندا قوة مهيمنة في إنتاج النفط والغاز العالمي، حيث تولد أكثر من 41 مليون برميل نفط مكافئ يوميًا في عام 2023، وقد شهدت هذه المنطقة (التي تغذيها التطورات في حوض بيرميان ورمال النفط الكندية والغاز الصخري الأمريكي) ارتفاعًا في إنتاجها بأكثر من 90% منذ عام 2000.

في العام الماضي تجاوز إنتاج النفط الأمريكي التوقعات بشكل ملحوظ، مع نمو يبلغ حوالي مليون برميل يوميًا مدفوعًا بالتقدم في إنتاج النفط الصخري، على الرغم من التحديات الاقتصادية من المتوقع زيادة متوقعة بنحو 625000 برميل يوميًا في عام 2024 مما يمثل أكبر نمو عالمي، ومع ذلك، فإن هذا التوقع يتوقف على استقرار أسعار النفط، فانخفاض سعر خام غرب تكساس الوسيط إلى ما دون 70 دولار للبرميل قد يقيد استثمارات الصخر الزيتي بسبب الالتزامات المالية.

وعلى الرغم من ثبات الإنتاج الكندي إلا إنه يساهم أيضًا بشكل كبير، حيث من المتوقع أن يلبي إنتاج أمريكا الشمالية ما يقرب من 90% من نمو الطلب العالمي على الوقود السائل لعام 2025.

الطلب الصيني على النفط

إن التوقعات للطلب الصيني على النفط تشير إلى تباطؤ ملحوظ، حيث من المتوقع أن ينخفض نمو الطلب إلى النصف من 1.02 مليون برميل يوميًا في عام 2023 إلى 490 ألف برميل يوميًا فقط في عام 2024، ويعزى هذا التباطؤ إلى ضعف الانتعاش بعد إعادة الفتح بعد الوباء وتباطؤ سوق العقارات والتحول نحو اقتصاد موجه نحو الخدمات والاعتماد المتزايد على المركبات الكهربائية والوقود البديل.

ومن المتوقع أن يتباطأ الطلب على البنزين ووقود الطائرات بعد إعادة الفتح بشكل كبير، مع انخفاض النمو على أساس سنوي من 680 ألف برميل يوميًا إلى 250 ألف برميل يوميًا.

وعلاوة على ذلك، من المرجح أن يواجه قطاع البتروكيماويات الذي كان محركًا قويًا للطلب على النفط، تحديات بسبب المنافسة الشديدة وتدفق المشاريع الجديدة، مما يؤدي إلى زيادة متواضعة في الطلب على المواد الخام البتروكيماوية أكثر مما كان متوقعًا في السابق، ويؤكد هذا التحول على المشهد المتغير في استهلاك الطاقة في الصين.

استمرار زخم تبني المركبات الكهربائية في الصين وآفاق أوروبا والولايات المتحدة

شهد زخم تبني المركبات الكهربائية في الصين نموًا ملحوظًا، حيث ارتفعت حصة المركبات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات والمركبات الكهربائية الهجينة القابلة للشحن من 3% في أوائل عام 2020 إلى مستوى قياسي بلغ 38% بحلول نهاية العام الماضي، ويعزى هذا الارتفاع إلى مجموعة متنوعة من النماذج بأسعار معقولة والإعفاءات الضريبية للسيارات الكهربائية والبنية التحتية للشحن المتوسعة بسرعة.

وعلى النقيض من ذلك، شهدت أوروبا والولايات المتحدة زيادات تدريجية أكثر في حصة سوق السيارات الكهربائية، معوقة بسبب الاختيار المحدود لنماذج السيارات الكهربائية والتفاوت الكبير في الأسعار بين السيارات الكهربائية والمركبات التقليدية ذات محرك الاحتراق الداخلي، ومع ذلك، تشير المؤشرات إلى تسارع محتمل في هذه المناطق، بما في ذلك ارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية المصنوعة في الصين في أوروبا وتوسع شبكة الشحن السريع لشركة تسلا في الولايات المتحدة.

تلمح هذه التطورات إلى مشهد متطور حيث يمكن أن يكتسب تبني السيارات الكهربائية المزيد من الزخم خارج الصين، متأثرًا بتحولات السياسة والتقدم في البنية التحتية.