تتجه السعودية نحو تحول حقيقي في اتجاه المستقبل، وذلك بالإعلان عن مشروع مدينة 'نيوم' الذكية، والتي ستسطر تاريخاً جديداً، ومستقبلاً جديداً للمعيشة في المملكة بل في العالم.
وبفضل التكنولوجيا الحديثة غدا كل شيء ممكن الحدوث، فقبل 20 عاماً أو أكثر لم تكن تتخيل أن يكون بمقدورك حمل هاتف جوال تُجري به اتصالات تليفونية دون التقيد بمكان ثابت، والآن أنت تمتلك هاتفاً جوالاً ذكياً تتنقل به أينما شئت، وتتصفح من خلاله الإنترنت، وتمارس عليه الألعاب، وتستخدم عليه مختلف أنواع التطبيقات؛ ومع القفزات الهائلة للتكنولوجيا، وعصر التحول الرقمي الذي نعيشه لم يعد من الخيال، وأصبح بالإمكان أن تشاهد المدن الذكية وتعيش فيها.
والمدن الذكية أصبحت مطلباً وضرورة، ولم تعد مجرد رفاهية وترف في ظل الحاجة إلى الاستدامة، وفي عالم ترتفع فيه أسعار الطاقة، وتزداد فيه ندرة الموارد الطبيعية، ومع تقلبات المناخ والبيئة، وازدياد حدة ظاهرة الاحتباس الحراري، واتساع ثقب الأوزون، وارتفاع وتيرة المنافسة التجارية والاقتصادية، يزداد قلق المستهلك بشأن جودة الحياة والصحة والأمان، وتغدو الاستدامة ضرورة لا بديل عنها لمواكبة هذه التطورات والأحداث.
كان العالم يبدأ عهدا جديدا بعد حرب عالمية ثانية تسببت في دمار غير مسبوق، وكانت المدينة اليابانية المهدمة 'ناغويا' تستعيد أمجادها بحركة بناء واسعة، إلى جانب ترميم ما تبقى من آثار مثل قلعة ناغويا.
هكذا وجد الطفل أكيرا تورياما بلاده حين ولد في 1955، ليصبح بعد 29 عاما فقط ضمن أبرز معالم وطنه، ففي 1984 ابتكر الشاب سلسلته الشهيرة 'مانغا دراغون بول' التي تروي في 519 فصلا عن طفل يدعى سون جوكو، يخوض مغامرات مثيرة ويستشكف عالما سحريا مليئا بالأعاجيب.
خلال 4 عقود، بيع 260 مليون نسخة في نحو 80 دولة من السلسلة الشهيرة التي صارت مرجعا لعشرات الأعمال الفنية، إضافة إلى ألعاب الفيديو، قبل أن تقرر المملكة الآن إعادة هذا العمل الفني إلى الساحة بشكل أكثر ابتكارا.
إذ أعلنت شركة القدية للاستثمار، والمملوكة لصندوق الاستثمارات العامة بناء أول متنزه ترفيهي في العالم قائم على فكرة 'دراغون بول'، موضحة أن المشروع سيقام على مساحة 500 ألف متر مربع للتجول، إلى جانب سبع مناطق مستوحاة من السلسلة. وبحسب بيان الشركة، فإن عشاق إنمي على موعد مع ترفيه غير مسبوق، فالمتنزه الجديد يصحبك في رحلة تفاعلية داخل قصص 'دراغون بول'، مثل 'منزل كامي' و'شركة الكبسولة' و'كوكب بيزوس'.
كما يجمع بين 30 لعبة مثيرة، إضافة إلى إمكانية خوض مغامرات سون جوكو كاملة من الطفولة وحتى المواجهات الأسطورية.
دراغون بول مجرد خطوة، هذا ما أكدته 'القدية' التي عقدت شراكة دائمة مع شركة الرسوم المتحركة اليابانية 'توي أنيمشن' مبتكرة شخصيات السلسلة الشهيرة من أجل الحفاظ على طابعها الأصلي، وكل ذلك بعد أسابيع من إطلاق 3 أصول رئيسة بمدينة القدية هي، منطقة الألعاب والرياضات الإلكترونية الحاضنة لأكبر شركات صناعة الألعاب الإلكترونية، وستاد الأمير محمد بن سلمان 'دُرّة' الملاعب العالمية، إلى جانب مضمار السرعة الفريد من نوعه لرياضة المحركات.
تلك المشروعات تأتي في إطار المدينة الترفيهية التي يطلق عليها 'سفيرة العالم الشغوف' التي تبنيها المملكة غرب الرياض بمسافة تبعد 40 دقيقة عن وسط المدينة، وستمتد إلى أكثر من 360 كيلو متر مربع، أي ثلاثة أضعاف مساحة ديزني لاند.
ومن المتوقع أن تسهم بـ135 مليار ريال في الناتج المحلي بحلول عام 2030، فيما تستهدف السعودية من ورائها تعزيز شعار 'اللعب يحييك'، والمقصود به أن الألعاب تسهم في تطوير الإدراك البشري والمهارات الشخصية، ويدلل على ذلك تنامي حجم سوق قطاع الألعاب الإلكترونية الذي وصل إلى 3.7 مليار دولار حتى فبراير الماضي، ومتوقع أن يصل إلى 9.3 مليار ريال في 2030، في ظل وجود 23.7 مليون سعودي يمارسون الألعاب الإلكترونية.
ولا عجب في تلك النهضة إذا عرفنا أن قطاع الترفيه منذ 2019 وحتى الربع الأول من 2023، جذب نحو 120 مليون زائر، كما تم إصدار 11.136 ترخيص لمختلف الأنشطة الترفيهية في نفس المدة وجهتها 42 مدينة ومحافظة في المملكة، وفي 2022 تمكنت المنشآت العاملة في هذا القطاع، من تحقيق فوائض تشغيلية قيمتها 4.5 مليار ريال خلال 2022 وبارتفاع 6 % عن مستوياتها في 2021. الأكثر تميزا.
أن المملكة كان بإمكانها الربح من قطاع الترفيه فقط، لكنها عملت من أجل هدف أكبر، وهو الحفاظ على التراث العالمي من خلال تحويل دراغون بول إلى حقيقة يعيشها الناس الذين باتوا الآن على موعد مع دخول القلعة الطائرة ومعرفة سر الدكتور فلابي وزيارة الحكيم تورتو، وإن كان عليهم بعد ذلك أن يستمتعوا بالخدمات الفاخرة التي ستحيطهم من كل جانب، ليستريحوا ويتذكروا 'تورياما' الذي رحل منذ أسابيع قليلة، وشيعه آلاف من محبيه حول العالم، قبل أن يرى بعينيه كيف حولت الرياض إبداعه إلى إرث متجدد ممتد.
مدينة اليابان الذكية
وكانت اليابان سباقة بإعلانها عن نموذج المدينة الذكية 'فوجيساوا' التي تبعد مسافة 50 كم عن العاصمة طوكيو، وهو المشروع الذي أطلقته عملاق الإلكترونيات اليابانية شركة 'باناسونيك'، وقد بدأ العمل في هذا المشروع سنة 2007م على أن تنتهي بقية الإنشاءات والتطويرات في سنة 2018م، وتبلغ مساحته أقل من ربع كم2 وتحديداً 0.19 كم2. ومنذ أن وقع زلزال شرق اليابان العظيم في 11 مارس 2011، ازدادت المطالبات العامة بتغيير نموذج الطاقة إلى حلول الطاقة المتجددة التي تكون أقل تأثراً في أوقات الكوارث، وتكون لها تأثيرات أقل على البيئة، وذلك من أجل دعم المتطلبات المعيشية اليومية.
وتحت الشعار الجديد 'الابتكار الذاتي والاستهلاك الذاتي للطاقة'، ستقوم المدينة الذكية 'فوجيساوا' بتوفير خدمات طاقة مصممة لتنمية طرق المعيشة للجيل المقبل، مما يمكّن المواطنين من توليد الطاقة التي يستخدمونها في منازلهم، من خلال الاستخدام الأمثل لتوليد الطاقة الشمسية ووسائل أخرى، كما ستعمل على تحسين الأساليب المعيشية للأفراد من خلال الطاقة الشمسية، وتحقيق معايير الأمان، وإمكانية التنقل بحرية تامة، والعناية بالمجتمع، والرعاية الصحية.
ما الذي يميز "نيوم"؟
وعلى غرار هذا المشروع الذكي ستكون 'نيوم' صديقة البيئة هي هدية السعودية للمنطقة، ومدينتها الذكية التي تفتخر بها، وعلى مساحة ضخمة تبلغ 26.5 ألف كم2 أكبر 139 ألف مرة من مساحة المشروع الياباني 'فوجيساوا' سينطلق مشروع السعودية الجديدة، وستكتسب المدينة السعودية الجديدة أهمية كبيرة بفضل موقعها الاستراتيجي بين 3 قارات؛ حيث من المنتظر أن يتم تصميمها لتتفوق على المدن العالمية الكبرى من حيث القدرة التنافسية ونمط المعيشة، إذ من المتوقع أن تصبح مركزاً للعالم بأسره.
وفي حين كان الهدف من إنشاء 'فوجيساوا' اليابانية هو الحد من تأثير تبعات الكوارث البيئية والطبيعية، وخلق بيئة نظيفة صديقة للبيئة، ستكون 'نيوم' علاوة على ما سبق وجهة اقتصادية واستثمارية واعدة، إذ سيتم دعم المشروع باستثمارات تبلغ قيمتها 500 مليار دولار أمريكي، وستوفر فرصاً جاذبة للمستثمرين بالوصول للسوق السعودي مباشرة بلا قيود، بالإضافة إلى الأسواق العالمية؛ لكون المنطقة مركز ربط بالقارات الثلاث (آسيا وإفريقيا وأوروبا).
كما ستتيح لهم البيئة التنظيمية التي ستتمتع بها المنطقة المشاركة في صياغة الأنظمة والتشريعات، كما سيحظى أصحاب الأعمال والاستثمار بدعم تمويلي لإقامة المشاريع التي تخدم أهداف مشروع 'نيوم'. بالإضافة لذلك، فإن حكومة المملكة تولي هذا المشروع اهتماماً ودعماً كبيراً على جميع المستويات.
وسيكون المشروع منطقة خاصة مستثناة من أنظمة وقوانين الدولة الاعتيادية، كالضرائب والجمارك وقوانين العمل والقيود القانونية الأخرى على الأعمال التجارية، فيما عدا الأنظمة السيادية؛ مما سيتيح للمنطقة القدرة على تصنيع منتجات وتوفير خدمات بأسعار منافسة، وفضلاً عن ذلك سيوفر فرصة استثنائية للحدّ من تسرب الناتج المحلي الإجمالي، وذلك عبر إتاحة فرصة الاستثمار داخل المملكة لكل من يستثمر أمواله في الخارج، وبالتالي تقليل التسرب المالي نتيجة قلة الفرص الاستثمارية الضخمة، كما سيخلق فرصاً جديدة للاستثمار في قطاعات جديدة ومبتكرة، بالإضافة إلى استفادة المستثمرين في المشروع من الموارد الطبيعية، والطاقة المتجددة.
يضاف إلى ذلك، أن المشروع سيسهم بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية، كما سيعيد توجيه بعض من تسرب الإنفاق للخارج إلى اقتصاد المملكة. وبفضل موقعها الفريد على البحر الأحمر، وشواطئها الخلابة، ومناظرها الطبيعية، فإن الفرصة مواتية لـ'نيوم' لتصبح الوجهة السياحية الأولى عالمياً.
وستصبح 'نيوم' مهيئة لاستيطان ملايين البشر من المواطنين والمقيمين، بعكس 'فوجيساوا' التي ستستوعب 600 أسرة فقط. وستحل الروبوتات بديلاً للبشر للقيام بالأعمال الشاقة، والمهام المتكررة؛ ليتفرع البشر للقيام بالمهام التنفيذية والإبداعية، ويقدّم المشروع مزايا قيمة للشركات والأفراد، بحيث يلبي احتياجات المملكة، ويستقطب أفضل الشركات وأصحاب الكفاءات من جميع أنحاء العالم، وسيتم تطبيق أعلى معايير السلامة والأمان في مشروع 'نيوم' عالمياً وأرقى الأنظمة الاجتماعية كركيزة أساسية للمعيشة المثالية، علاوة على أتمتة جميع الخدمات الحكومية التقليدية، وتوديع عصر الورق.
وسيُمكّن المدى الزمني لإنشاء المدينة، والذي من المنتظر أن يتم الانتهاء من مرحلته الأولى بحلول عام 2025م الاستفادة من كل التقنيات الحديثة، والمزايا الجديدة التي ستوجدها التكنولوجيا مستقبلاً، فضلاً عن تقنيات 'الهواء الرقمي'، والتعليم المستمر المجاني على الإنترنت، ووسائل النقل المبتكرة التي تستخدم المصادر المتجددة بدلاً من المصادر التقليدية، بالإضافة إلى استحداث أنظمة البناء والتشييد الذكية.
وقعت وزارة الاستثمار السعودية مذكرة تفاهم مع شركة “كوانتوم سوليوشنز” اليابانية، وهي تعتبر من أكبر شركات نشر وتطوير الألعاب في اليابان، لتطوير صناعة الألعاب في المملكة العربية السعودية من خلال مشروع لعبة فيديو طموحة تحمل اسم “الجوهرة”.
ونقلًا عن جريدة “الاقتصادية” تهدف هذه الشراكة إلى تعزيز نمو وتطور هذا القطاع الواعد من خلال مبادرات مبتكرة تستفيد من تقنيات الذكاء الاصطناعي وتُعزز الشراكات الاستراتيجية، كما تهدف إلى خفض تكاليف تطوير الألعاب وسرعة طرحها في السوق السعودي.
مشروع لعبة الجوهرة يعتبر أول لعبة عالمية تبرز التراث المحلي لمدنية الرياض في المملكة العربية السعودية
ستطلق الشركة اليابانية مشروع “الجوهرة” ليكون أول لعبة عالمية تُبرز التراث السعودي من خلال أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي وتقنيات الألعاب اليابانية المتطورة، ويُشرف على إدارة هذا المشروع المبرمج والمنتج الياباني “هاجيمي تاباتا” الذي اشتهر بعمله على ألعاب “فاينل فانتسي – Final Fantasy” الشهيرة.
حيث أكد المنتج الياباني تاباتا على أهمية دمج أدوات الذكاء الاصطناعي والرسوم المتحركة اليابانية ذات المستوى العالمي لتحقيق أفضل النتائج، وهي شراكة استراتيجية ذات قيمة مضافة، حيث يُعرب بينج تشو، نائب الرئيس التنفيذي للشركة، عن سعادته بهذه الشراكة الاستراتيجية التي تُمثل توافقًا بين رؤية الشركة اليابانية ووزارة الاستثمار في السعودية لتطوير صناعة الألعاب.
ويؤكد تشو على التزام الشركة بالاستفادة من أحدث التقنيات وخبرتها الصناعية لتقديم لعبة “الجوهرة” بأعلى جودة، وتحقيق قيمة دائمة في صناعة ألعاب الفيديو السعودية التي أصبحت من اهم الأسواق في المنطقة، وبيئة خصبة للإستثمار في المجال.