البيوت الأثرية في القطيف.. فنون معمارية عمرها تجاوز أكثر من 400 عام


تحكي عن ثقافة المنطقة وتعبر عن المواقع التاريخية والثقافية والسياحية للزائرين

الاثنين 15 يناير 2024 | 05:30 مساءً
البيوت الأثرية بالقطيف
البيوت الأثرية بالقطيف
بدرية الودعاني

تتميز شكل البيوت في الأحياء الأثرية في محافظة القطيف الواقعة شرق السعودية بالجمال والروعة.. حينما تتجول أمام هذه البيوت تجد نفسك أمام مشاهد حضارة عريقة وسط ما شيده الأجداد لتحن إلى زمن الماضي الجميل ، موقعكم المفضل السعودي اليوم يأخذكم معه في رحلة ساحرة تتخيل فيها الفنون العمرانية وجمال بيوت يرجع عمرها إلى أكثر من 400 سنة، حيث تشترك عناصر بناءها مع قوانين فن العمارة الإسلامية لتنسجم مع الهوية القطيفية.

تميزت منطقة القطيف بموقعها الاستراتيجي

تميزت منطقة القطيف بموقعها الاستراتيجي بكونها كانت تقع وسط واحة تتوسط الدول الخليجية، وهي نقط اتصال بين الدول خارج بحر الخليج العربي، وبين المناطق الداخلية كالأحساء ونجد والمناطق الغربية، فاستقبلت ثقافات متعددة تم تنفيذها على مظهر البيوت القطيفية الأثرية.

تأثرت القطيف بالزخارف والفن المعماري الجميل نتيجة تقارب البيئات وحركة التجارة 

احتلت القطيف موقعاً استراتيجياً متوسطة هذه الحركة التجارية بين بحر العرب والبحر الأحمر في مسار القوافل الوافدة عليها، فتأثر هذا الفن المعماري الجميل في القطيف نتيجة تقارب البيئات، والحركة التجارية التي كانت موجوده وقتها فنقلت بعض الأساليب المعمارية والزخارف، والمنتقلة منها.

استمد شكل بيوت القطيف الأثرية بأنواع زخارف مشتقة من البيئة الزراعية القطيفية الأصيلة والتي تعرف بأسماء خاصة بكل منها، كاللوزية والمروحية، والشجرية، والورقية والموزية، أو 'البيدانة'.

البيوت الأثرية بالقطيفالبيوت الأثرية بالقطيف

تتميز الزخارف الجصية الموجودة البيوت القطيفية بالجمال

كما تتميز الزخارف الجصية الموجودة في هذه البيوت بالجمال، وتعد هذه الزخارف مكونة من مادة الجص أو الحجارية البحرية 'الفروش'، وهي مادة سهلة التطويع.

أشار إلى أن متذوقي التراث المعماري يدركون أن الجانب الزخرفي لكل منطقة هوية وسمات تختلف بشكل وبآخر، وذلك من خلال جودة ولون وتعدد مسميات الزخارف، وعند دراسة بعض الزخارف الجصية المحلية بالقطيف، نجد بعضها تحتوي على الرموز والأشكال التي تحتاج التدقيق فيها لمعرفة مسمياتها، ورغم توفر وتطور التقنيات الحديثة إلا أن العمل لمحاكاة وتقليد الفن المعماري الزخرفي المحلي يحتاج إلى براعة في التنفيذ.

أسلوب هندسي في النقوش والزخارف المزينة للبيوت الأثرية

وعن جمالية تناقل الثقافة المعمارية في زخرفة البيوت بين المجتمعات العربية '، وعناية المجتمع القطيفي بهذا التكوين فيها، أوضح الباحث المعماري التراثي 'إسماعيل هجلس، نقل هذا الفن إلى الشعوب الأخرى التي تفتقر مساكنها إلى هذا الأسلوب الهندسي في النقوش والزخارف المزينة للبيوت الأثرية، والتي وجدت بطرقها الخاصة وحساباتها الهندسية، وبارتفاعات معينة، ومواقع 'كوّات'.

أمتاز  البيت القطيفي باحتواء البيت للعائلة القطيفية بشكل عمودي طلباً للراحة والخصوصية والأمان

وأكد الباحث المعماري هجلس : 'أهم ما امتاز به البيت القطيفي احتواء البيت للعائلة القطيفية بشكل عمودي طلباً للراحة والخصوصية والأمان وهذا الشكل تفردت به القطيف والبيوت في دول الخليج، باعتمادهم على تواجد 'الحوش' وهو فناء مفتوح على السماء يتوسط عادة البيت.

وأوضح هجلس: ان الحوش مهم لحفظ الخصوصية ويرجع ذلك لأن البيت يكون محاطاً بجدران البيوت المجاورة من الخارج، كما يمتاز بكون الدور الأرضي لا يتضمن أي نوافذ لمنع اختراق الخصوصية، وذلك لكون الأزقة بين البيوت ضيقة وتعرف باسم 'زرنوق'، واستبدلت النافذة بـ'الكوات' وهي فتحات لتهوية الغرفة القطيفية وتقع بين الجدار والسقف'.

ولفت هجلس إلى أنه في الأحياء التاريخية لبعض المدن السعودية تبنى نوافذ البيوت للداخل 'عمق الجدار للداخل' والغرض الحماية من دخول مياه الأمطار، ولكن نوافذ البيوت في الطراز القطيفي تبنى للخارج 'عمق الجدار للخارج' بسبب الأجواء الحارة صيفاً.

البيوت الأثرية بالقطيفالبيوت الأثرية بالقطيف

البيوت التاريخية القطيفية كبيت الجشي والدعلوج وخميس بن يوسف وأبو السعود والمصطفى وغيرهم، تعود إلى 450 سنة تقريباً

كما أوضح أن البيوت التاريخية القطيفية كبيت الجشي والدعلوج وخميس بن يوسف وأبو السعود والمصطفى وغيرهم، تعود إلى 450 سنة تقريباً ، بنيت بمواد محلية تتناسب مع طبيعة المناخ، كحجر الفروش والطين المعالج بالحرارة العالية والذي يتحول للجص، بالإضافة لمتانة البناء وأساساته وارتفاع أسقفه، ومن جماليات هذه البيوت تكمن في الزخارف الجصية التي تملأ الأقواس والأعمدة والجدران والكوات، مما تعطي راحة لساكنيه والشعور بالبهجة.

البيوت الأثرية بالقطيفالبيوت الأثرية بالقطيف

العمارة التاريخية بالقطيف تستنبط جميع أنواع الأقواس المختلفة في العمارة من الدائرة

وعن بناء الأقواس في المباني القطيفية أشار: 'إن العمارة التاريخية بالقطيف تستنبط جميع أنواع الأقواس المختلفة في العمارة من الدائرة وتُعّد الدائرة من أقوى الأشكال الهندسية بعد المثلث، ذلك لاقتطاع الأقواس المختلفة منها التي لطالما اعتبرت من أقوى وأهم العناصر الإنشائية في الهندسة المعمارية والأشكال التجريدية.

ومن الأمثلة البارزة على استخدام هذا الشكل في فن العمارة القباب والأقواس، وقد جمعت الأقواس بين الجمالية والإنشائية والنفعية وتزدان الأقواس بالزخارف الهندسية والنباتية، كما في بعض المساجد والبيوت والمباني العامة كالحمامات والسوابيط ومن أشهر الأقواس في القطيف (القمرية) نصف دائرة والمدببة (اللوزية) و(المفصصة) الخماسية والثلاثية'. 

البيوت الأثرية بالقطيفالبيوت الأثرية بالقطيف

البيت الجشي من أكبر وأرفع البيوت التاريخية في محافظة القطيف

أما عن البيت الجشي استشهد هجلس في كلامه قائلًا: البيت الجشي يعد من أكبر وأرفع البيوت التاريخية في محافظة القطيف وهو بيت يتجاوز عمره 400 عام، حيث يتكون البيت الجشي من خمسة أدوار، كانت تسكن فيه عدة عوائل، كل عائلة لها جزء مخصص من المنزل، حيث تجتمع الشقق في فناء واسع يتمركز في وسط المنزل.

وقال هجلس: 'استمر العيش في بيت الجشي حتى بدايات القرن الحادي والعشرين، ويقع في ديرة جزيرة تاروت، ومسمى 'الديرة' يعني أقدم مساحة مسكونة في المنطقة.

ويعد بيت الجشي في مستوى القصور في تلك الحقبة الزمنية، وترجع أصول عائلة الجشي إلى قلعة القطيف، وهم من 'الطواشين' تجار اللولو'.

تضمن بيت الجشي نقوش كتابية بآيات القرآن وزخارف نباتية وزخارف هندسية وزخارف عديدة 

شرح الباحث المعماري: تضمن بيت الجشي نقوش كتابية بآيات القرآن، وزخارف نباتية، وزخارف هندسية، وزخارف على شكل مرشات الماء والبخور، يوجد في البيت العديد من الأقواس التي تعبر عن جمالية البناء.

وعن تقسيمات البيت الجشي قال: تدخل جميع العوائل الخمس من مدخل رئيس مشترك يمتاز بوسعه ورحابته. استخدم في تسقيف المسكن أسعف النخل. تم تصميم الدرج الداخلي بشكل حلزوني.

وأضاف: كما اشتمل المسكن على مدخل لدخول السيارة بداخله، وتميز بيت الجشي بتنوع التفاصيل المعمارية المتقنة كالفراغات و(الدهليز والصاباط والأقواس) المدببة والمفصصة والقمرية بالإضافة لبهاء ودقة وتنوع وكثرة الزخارف الجصية بأنواعها'.

"الركوة" للاستحمام والغسيل.. مستواها بمستوى الأرض وهو مكان تجمع مياه المطر ونوع من الآبار عمقه 15 متراً

وبين، عادة ما يستخدم في هذه القصور 'الركوة' للاستحمام وغسيل الملابس والصحون، ويكون مستواها بمستوى الأرض وهو مكان تجمع مياه المطر، وهو نوع من الآبار عمقه 15 متراً. في حين أن الأقل في المستوى المعيشي يقصدون العيون والمجاري المائية لهذا الغرض.

البيوت الأثرية بالقطيفالبيوت الأثرية بالقطيف

الأبواب الملونة دخيلة على المنطقة منذ 90 سنة

أما عن تفاصيل البيت القطيفي تطرق هجلس إلى أن الأهالي قديماً يعمدون أحياناً إلى استيراد بعض الأخشاب من الهند لصناعة الأبواب، والذي يقوم على تنفيذها نقاشين ونحاسين، ونجارين وهي حرف قديمة في القطيف.

وقال: بينما تعد الأبواب الملونة دخيلة على المنطقة منذ 90 سنة، ما عدا المناطق الغربية والجنوبية في السعودية فأبواب البيوت الأثرية تكون ألوانا أصيلة مشتقة من نفس البيئة.

أهالي القطيف  إدخالوا اللون الأزرق والفيروزي والأخضر بسبب قربها من هويتهم 

أضاف: في حين يعمد أهالي القطيف إلى إدخال اللون الأزرق والفيروزي والأخضر بسبب قربها من هويتهم البحر والزراعة، وكانت تستجلب ألوان بيروتية عن طريق البحر من أميركا بعد النفط في المنطقة.

البيوت الأثرية بالقطيفالبيوت الأثرية بالقطيف

زخارف البيئة القطيفية بصنع اليد وليست قوالب جاهزة فلا يمكن أن تتشابه

وصف هجلس أن البيت القطيفي يزخرف بزخارف مشتقة من بيئة القطيف وهويتها التراثية، وتدمج الزخارف بأشكال متعددة، تتكرر بحسب فكرة الرسم، وكونها حرفة بصنع اليد وليست قوالب جاهزة فلا يمكن أن تتشابه.

 "الشندل" خامة جديدة تم اقتباسها من تنزانيا لتقوية البيت

وشرح تكوين الغرف القطيفية داخل البيت يإضافة 'الشندل' إلى السقف ويعتبر خامة جديدة تم اقتباسها من الدولة الإفريقية تنزانيا، وتعد دعامة لتقوية البيت، وعادة ما تكون بطول أربعة في ثلاثة أمتار.

الروزنة" رف الذي يزين جدران الغرف ويستخدم لتنظيم الاحتياجات والملابس

بالإضافة إلى 'الروزنة' وهي الرف الذي يزين جدران الغرف ويستخدم لتنظيم الاحتياجات والملابس، كما أنها تخفف الوزن على الطابق السفلي، وتقلل تكلفة استخدام الحجارة على مالك البيت.

اعتمدوا على استغلال الضوء المنعكس من السطوح كمصدر للإضاءة

وعن كيفية إضاءتهم لمناطقهم، أوضح الخبير المعماري هلجس أن تصميم الأبنية في المناطق الحارة والرطبة كالقطيف، يعتمد على استغلال الضوء المنعكس من السطوح كمصدر للإضاءة، ولذلك يتم اللجوء في التصميم لفتحات تعمل على إدخال هذا النوع من الضوء المنعكس، وبنفس الوقت تجنب الأشعة الشمسية غير المرغوب فيها وكذلك منع الضوء المؤذي للعين.

البيوت الأثرية بالقطيفالبيوت الأثرية بالقطيف

توظيف الإضاءة الطبيعية في فن  العمارة القطيفية

وصف فن توظيف الإضاءة الطبيعية في العمارة القطيفية القديمة قال إن: 'الضوء المنعكس من الفراغات أو الأرض المحيطة بالمبنى (الحوي - الفناء) أو الجدران ذات اللون الأبيض بدرجاته من مصادر الاضاءة الطبيعية داخل المباني التاريخية بالقطيف، فاللون الأبيض من أكثر الألوان التي تساعد على عكس وانتشار الضوء بشكل كبير القادم من أشعة الشمس وضوء القمر وانعكاسه على الأسطح كالجدران يعد من أهم وأقوى مصادر الاضاءة الطبيعية في المباني التراثية، ومنافذ الضوء لداخل المبنى الشمسة والأبواب والنوافذ (الدريشة) والفتحات (الكوة).

البيوت الأثرية بالقطيف
البيوت الأثرية بالقطيف
البيوت الأثرية بالقطيف
البيوت الأثرية بالقطيف
البيوت الأثرية بالقطيف
البيوت الأثرية بالقطيف
البيوت الأثرية بالقطيف
البيوت الأثرية بالقطيف
البيوت الأثرية بالقطيف

اقرأ أيضا